مباني و مضامين التراث الحکمي ـ المعرفي الفاطمي

مباني و مضامين التراث الحکمي ـ المعرفي الفاطمي

بقلم: علي أکبر رَشــاد

قال الله العظيم في محکم کتابه الکريم: بسم الله الرحمن الرحيم، إنا أعطيناک الکوثر (1) فصلّ لربک و انحر (2)، إن شانئک هو الأبتر (3).(سورة الکوثر)
و قال عزّ من قائل: يؤتي الحکمة من يشاء و من يؤتِ الحکمة فقد أُوتي خيراً کثيراً و ما يذکّر إلا أولوا الألباب (البقرة، 269).(صدق الله العلی العظیم)
مدخل: نروم في هذا المقال و المجال المختصر تقديمَ إيضاح إجمالي لـ «مباني» / و تحليل مضغوط لـ «محاور مضامين» التراث الحکمي ـ المعرفي لسيدتنا الصديقةِ الکبری فاطمة الزهراء (ع).
و إيضاح ذلک أنه بالرغم من وجود الکثير من العوامل المثبِّطة و السلبية من قبيل:
1. قصرِ عمرِ السيدةِ فاطمة الزهراء (ع).
2. التمييزِ الجنسي الذي ظل سائداً بدرجات معينة علی مجتمع الحجاز يومذاک (…).
3. حالات المنع و الممنوعات التي فرضها الحکام بعد النبي الأعظم (ص) في مجال إعلان و إشاعة التعاليم الولوية من قبل المعصومين (ع) (…).
4. مساعي الأعداء الحِثيثة لإبطال مفعول اهتمامات و جهود أتباع أهل البيت (ع) في الحفاظ علی تراثهم المعرفي (…).
5. الدسائس العديدة المحاکة لطمس الآثار الحکمية و المعرفية لآل الله (ع) (…)، إلی درجة أن وثائق مثلُ مصحفِ الإمام علي (ع) (…)، و المصحف الفاطمي (…) کانت بلا شک بعيدةً عن متناوَل سوی الأئمة الأطهار (ع).
6. وثائق غنية و قويمة من قبيل ما أشير إليه (المصحفِ الفاطمي) بعيدة عن متناولنا. و کذلک:
7. تزامن الحياة المبارکة لسيدتنا فاطمة الزهراء (ع) مع حياة الرسول الأعظم (ص) و الإمام علي (ع)، حيث الحرمة التي تراها عليها السلام لمقام النبوة و الإمامة (…) من جهة، و تألق الشخصيتين المذهلتين للرسول الأکرم (ص) و الإمام علي (ع) من جهة ثانية، أدّی إلی أن تکون السيدةُ الزهراء (ع) في الظل، و بالتالي:
8. علی الرغم من القيود التي يُخال أنها شرعية أو التي يُؤمِن بها المتشرعة، و التي تؤثِّر، شئنا أم أبينا، علی تألق شمس وجود هذه السيدة العظيمة (ع) في آفاق المجتمع؛ فمن العجيب أنه لا يزال ثمةَ تراث کبير من الحکمة الکوثرية تتمتع به البشرية، و هذا الأمر بحد ذاته من التجليات العينية لکوثرية تلک السيدة الجليلة.
عمق و عظمةُ التراث الفخِم و الفاخر الصادر عن الساحة السماوية لهذه السيدة التي هي سيدة السيدات، يدعو کلَ إنسان بصير و صاحب قلب يقظ إلی التعمّق في التفکير، و يدفعه إلی الإعجاب و الانبهار. و ما کل هذا إلا لأن هذه المعارف مبنية علی صرح شاهق، و نابع من مصادر ملکوتية، و هو تماماً وليد أن التقييم المعرفي للتراث الغني القويم للحکمة الکوثرية يقتضي: أن يُجرَي التدقيق و التمحيص المناسب في «مبانيه» و مصادره من جهة، و أن تُخضَع مضامينُه و فحواه لتحليل المحتوی و التبويب الموضوعي المناسب من جهة ثانية. و لهذا فقد أعددنا بدورنا هذا المقالَ القصيرَ في قسمين: في القسم الأول سوف نخوض في تبيان المباني و المصادر «الأنثروبولوجية»، و «الماورائية/اللاهوتية»، و «الکلامية/الإلهياتية»، و «المعرفية»، و « التربوية» للحکمة و المعرفة الفاطمية، و في القسم الثاني سنکتفي ـ لمراعاة المجال المحدود للمقال و المجلس و من باب النموذج، بمراجعة إجمالية و تنسيق موضوعي لوثيقة واحدة من الوثائق المتاحة، أَلا و هي الخطبة الفدکية للصديقة الزهراء (ع).

القسم الأول:
في هذا القسم نُراجع و نُحلل بعض المباني و المصادر حسب الترتيب المشار إليه، و نقدم نماذج لمحصّلة کل واحد من هذه المباني:

أولاً: المباني الأنثروبولوجية:
أولاً: الإنسان ـ طبعاً إذا بقي علی فطرته الإلهية، و ليس کل حيوان منتصب القامة ولد من الإنسان ـ هو مهبط المعرفة الإلهية. و قد قال الله عزّ و جلّ: «و علّم آدم الأسماء کلها…» (البقرة، 21). و قد ولدت هذه السيدة الجليلة علی الفطرة. يروي سعيد بن المسيب و هو أحد مشاهير رواة أهل السنة، عن الإمام علي السجاد (ع) بأن الرسول الأکرم (ص) و خديجة الکبری (ع) ليس لهما ولد علی الفطرة الإسلامية إلا فاطمة (ع). (الکليني، 8 / 340 ؛ الحلي، المختصر النافع، 131).
ثانياً: کانت فاطمة الزهراء (ع) إنساناً کاملاً (…)، و الجهل و هو نقص لا ينسجم مع کمالها. و بعبارة أخری: الإنسان الکامل يجلي الأسماء و الصفات الإلهية، و الحق المتعال هو علم محض، إذن الإنسان موضع تجلي الوعي و المعرفة الخالصة. و بعبارة ثالثة: الجهل ناتج عن المضايقات الوجودية و المراتب الدنيا للإنسان الجاهل، أما الإنسان الکامل فبمقتضی مرتبته الوجودية و سعته الوجودية مسلط و مسيطر علی حقائق الوجود و الحياة و دقائقهما. و إذن، لا يمکنه أن يکون أسيراً للجهل. و لهذا فقد کانت عليها السلام مطلعة علی «غيب» العالم و «شهادته».

ثانياً: المباني و المصادر العرفانية و الماورائية:
أولاً: کانت ذاتها نورانية، و بالتالي فهي لا تقبل الظلام. و الجهل ظلام. يقول الإمام الصادق (ع) في وجه وصف الزهراء (ع) بصفة الزهراء بأن الحق تعالی خلقها من نور عظمته، و حينما سطعت أنارت السماوات و الأرض بنورها. (الصدوق، علل الشرايع، 1 / 179 – 180). و قال أيضاً إن نوراً يسطع من وجه الصديقة الزهراء ثلاث مرات في اليوم (صباحاً و ظهراً و غروباً)، و قد کان هذا النور معها دوماً إلی أن ولد الإمام الحسين (ع)، فکان هذا النور من بعد ذلک في وجوه الأئمة (ع)، و سوف يستمر سطوع هذا النور إلی قيام القيامة، و کلما رحل إمام انتقل هذا النور إلی وجه الإمام الذي يليه (مصدر سابق، 180 – 181) (راجع: الموسوعة الفاطمية، مقالة الأسماء و الأوصاف).
ثانياً: کان لديها «علم لدنّي» و «علوم إيهابية» (…)، و العلم اللدنّي هو العلم الذي يتعلمه أهل القرب من الربّ من دون واسطة بشرية أو ملک من الملائکة. و قد استقي هذا المصطلح من الآية: «و آتيناه من لدنّا علماً». و العلم اللدنّي علی ثلاثة أقسام: الوحي، و الإلهام، و الفراسة (الکشاف، ص 1066).
ثالثاً: للسيدة الزهراء (ع) أرقی مراتب الإخلاص التوحيدي و العبودية الإلهية (…)، و قد ورد: «من أخلص لله أربعين… » (…)، و قد قضت عليها السلام لا أربعين يوماً و ليلة بل عمرها کله في الإخلاص و العبادة (…)، لذلک فهي تتمتع بمواهب هذا الوصف بأعلی المراتب و الدرجات.

ثالثاً: المباني و المصادر الکلامية – الإلهياتية:
و نکتفي هنا بذکر نموذجين:
أولاً: حسب دلالة الآية الشريفة «إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيراً» (الأحزاب، 33)، فإن لفاطمة الزهراء (ع) مقام العصمة. و بسبب تحليها بهذه الموهبة فإن وجودها منزه عن کل رجس و درن. إنها لا ترتکب أي خطأ أو خلاف في مقام تلقي الحقائق، و في مقام بيان الحقائق، و نقلها إلی الغير، و کذلک في مقام السلوک و التصرفات. الجهل من أهم عوامل تلوث الإنسان بالأدران، و الإنسان المعصوم لا يمکنه أن يبتلی بالجهل. تلقيب سيدتنا فاطمة الزهراء (ع) بلقب الصديقة ربما کان بمعنی تحلي هذه السيدة بهذا المقام و الموهبة. و فسّر العلامة المجلسي أيضاً لقب الصديقة بمعنی المعصومة (جلاء العيون، 162). (راجع: الموسوعة الفاطمية، مقالة الأسماء و الأوصاف). و قد سمّاها الرسول الأعظم (ص) بالصديقة الکبری (الصدوق، الأمالي، 74 ؛ البحراني، حلية الأبرار، 2 / 36) ليشير إلی تفوقها علی مريم الصديقة (ع).
ثانياً: کانت فاطمة الزهراء (ع) محدّثة. فحسب روايات متعددة کان ملک الوحي يتحدث معها و يطلعها علی بعض الحقائق (الکليني، 1 / 241 – 242 ؛ الصدوق، علل الشرايع، 1 / 182 – 183 ؛ الطبري الإمامي، 81). و حسب قول الإمام الصادق (ع) فإن سبب تلقيب السيدة فاطمة الزهراء (ع) بالمحدثة هو أن ملائکة السماء کانوا ينزلون عليها و يحدثونها، کما کان الأمر بالنسبة لمريم (ع) (الصدوق، علل الشرايع، 1 / 182). و مصحف فاطمة (ع) هو حصيلة الوحي الإلهي غير التشريعي الذي وافی جبرائيل به فاطمة (الموسوعة الفاطمية، مقالة مصحف فاطمة (ع). راجع: الموسوعة الفاطمية، مقالة أن السيدة فاطمة محدّثة).

رابعاً: المباني و المصادر المعرفية:
المعرفة هي حصيلة الأطراف الثلاثة «العارف» و «المعروف» و «حوالي المعروف» (راجع: نظرية الابتناء، هيئة دعم مقاعد التنظير، صص 60 – 63). و بتعبير آخر: مواجهة الإنسان للمعلوم بالعرض ـ في عملية تلعب فیها موانع المعرفة و معدّاتها دورها شئنا ذلک أم أبينا ـ تفضي إلی ظهور المعرفة. خلوص المعرفة و تعبيرها عن الواقع منوط بحدود «قوة فاعل المعرفة» من جهة، و مستوی «قابلية متعلق المعرفة للمعرفة» من جهة ثانية، و مواکبة المعدّات و الموانع من جهة ثالثة. العارف السليم الفطرة و الکامل و المعصوم و المتمتع بمواهب خاصة لا يتعرض للفتور و الخطأ المعرفي، لأنه بسبب تمتعه ببعض الإمکانيات و القدرات يوظف معدات المعرفة، و يحبط مفعول موانع المعرفة و قيودها، و هکذا تتروّض له الحقيقة و تسلم نفسها له بسهولة.
و يمکن عرض الحکمة و المعرفة الفاطمية معرفياً بتقارير مختلفة أخری. لکننا نکتفي هنا بهذا التقرير.

خامساً: المباني و المصادر التربوية (العائلية و الاجتماعية و التاريخية):
مع أنه بالنظر للشؤون و الشخصية الماورائية و المقامات و المراتب الإلهية للسيدة فاطمة الزهراء (ع) فإن عرض مباني حکمتها و معرفتها في غنی عن استعراض مثل هذه المباني، و لکن احترازاً لترک بُعد من أبعاد البحث حول مباني الحکمة الفاطمية، نشير في ما يلي إلی بعض فقرات هذا الجانب:
1. الأصالة العائلية و شخصية والدي السيدة الزهراء (ع): تشدّد علوم الأحياء و التربية المعاصرة علی الدور الکبير و الحاسم لعامل الوراثة في کمالات و نواقص الأفراد، بما في ذلک علی صعد تحصيل المعرفة و حصول الحکمة. و السيدة الزهراء (ع) من سلالة إبراهيم الخليل (ع) (…)، و في هذه السلالة الکثير من الأنبياء و الأولياء و الصالحين النخبة (…)، لذا يجب بصورة طبيعية أو تکون ذات مواهب و قابليات علی التمتع بمراتب ملکوتية في الحکمة و المعرفة.
2. التربية النبوية: السيدة الزهراء (ع) أبنة الرسول الخاتم (ص) و ربيبة حجر النبوة، و مربّيها هو أعظم کل المربّين في البشرية (…)، و الذي بُعث لتربية کل البشرية (…)، و الشخص الذي ترک بتعاليمه تأثيرات عميقة و واسعة علی کل العالم (…). إن قليلاً من التأمل في هذه الموهبة التي اختصت بها سلام الله عليها دون غيرها يکفي للاعتراف بإمکانية تکوّن حکمة باهرة و معرفة عميقة في وجودها المبارک، و توفرها علی مستويات استثنائية من الحکمة و المعرفة لا تتاح لأحد.
3. ملازمتها و مؤانستها (ع) في آنات نزول الوحي: لقد کانت عليها السلام حاضرة في معظم أحيان نزول جبرائيل الأمين و آنات الوحي التشريعي إلی جانب والدها، و قد اتصلت بلا واسطة و بلا شائبة بتعاليم الوحي السامية، و کانت مرتبطة دوماً بملائکة الله معاشرة لهم. فهل يمکن تجاهل هذه الملازمة و المؤانسة و دورها في صناعة شخصيتها و معارفها و تکوين شخصيتها و تعيين نوعية و حدود معارفها التي اکتسبتها؟ أبداً.
4. المسألة الرابعة التي نشير لها في إطار هذا المبنی هي دور الظروف التاريخية – الاجتماعية في صناعة شخصيتها و إيجاد معارفها. بالنظر لقاعدة (في الجملة صائب، و ليس بالجملة صادق) لتزمّن المعرفة و ولادتها من الظروف (و التي يمکن تسميتها بمبدأ الاندکاک و التواصل الحتمي لکل البشر بالآفاق التاريخية – الاجتماعية للمعرفة)، لا يمکن إنکار الدور الإيجابي لعناصر من قبيل «شياع أسئلة العصر» الجديدة، و «التداول الحرّ للمعلومات»، و کذلک نصيب «شياع تضارب الآراء و الأفکار»، و وجود مناخ فکري ـ علمي منفتح، و…، في ظهور المعرفة و الحکمة و انتشارهما في الجيل المتصل بهذه الظروف و الحيثيات. و في ضوء الأوضاع الفذة للعهد النبوي من النواحي المذکورة – و شرح ذلک لا يستوعبه هذا المقام العاجل – فقد کانت الصديقة الزهراء (ع) تعيش ظروفاً جد ممتازة و استثنائية حتی من حيث الأسباب العادية لتحصيل المعرفة و اکتساب الحکمة.
و يمکن طرح و شرح مبان و مصادر أخری غير هذه للحکمة و المعرفة الفاطمية، و لکن نکتفي بما ذکرنا لضيق المجال، و ننتقل إلی القسم الثاني من المقال.

 

و أما القسم الثاني فهو تحليل و تبويب محتوی الخطبة الفدکية:
مع أن في أيدينا حالياً نصوصاً لثلاث خطب للسيدة الصديقة الزهراء (ع) (…)، لکن خطبة اللمة المشهورة بالخطبة الفدکية تمتاز بخصائص جد ممتازة و مذهلة، تجعلها مميزة جداً بين کل الوثائق القدسية و المعصومة المتبقية عن المعصومين (ع).
فضلاً عمّا تتميز به هذه الخطبة من البلاغة الأدبية الخارقة، فإنها بالرغم من قصرها و اختصارها تماثل فاتحة الکتاب التي هي عِدل مضغوط للقرآن الکريم، بل و سمّيت بأمّ الکتاب، إذ يمکنها أن تکون ديباجة لنهج البلاغة العلوي، و بالمقدور اعتبارها نهج بلاغة مضغوط.
و تتجلي عظمة هذه الحقيقة أکثر حين نتفطن إلی أن هذه الخطبة القصيرة و لکن العميقة و النافذة صدرت عن الأفق الفاطمي المعصوم قبل ربع قرن من صدور مفاد أقسام نهج البلاغة عن الساحة العلوية العليا.
هذه الخطبة الملحمية – المعرفية التي تعدّ من الوثائق المهمة لمظلومية أهل البيت (ع) و أحقیتهم لها شمولية مضمونية مذهلة، و يمکن بتحليل محتواها فضلاً عن اصطياد و استقاء الأفکار التاريخية و الاجتماعية، استخراج أمهات التعاليم الوحيانية في شتی المجالات. و إن تبيين محتوی هذا النص العميق العريق يظهر حدة و سعة أفق صاحب النص، و يعرض علی أنظار العالم إحدی المعاجز التربوية النبوية.
تحليل و تفسير محاور فحوی الخطبة بشکل تفصيلي يتطلب طبعاً فرصة واسعة. و نحن هنا سوف نکتفي باستعراض هو أشبه بالفهرس للمحاور الأصلية في الخطبة. و قد جرت دراسة أفکار الخطبة و موضوعاتها تفصيلياً في مقالات الموسوعة الفاطمية.
تشتمل خطبة اللمّة علی بحوث عميق و دقيقة في مجالات: علم الوجود، و علم المعرفة، و فلسفة الدين، و علوم القرآن، و القضايا الکلامية الدقيقة، و مباني الإمامة، و فلسفة السياسة، و تعاليم الإسلام السياسية، و شؤون الأمة الإسلامية، و فلسفة الأحکام و المسائل الفقهية، و فلسفة الأخلاق و التعاليم الأخلاقية الإسلامية، و … و کذلک تاريخ الجاهلية، و أحداث العهد النبوي، و مصائب أيام رحيل الرسول الأکرم (ص)، و أمر الخلافة بعد الرسول، و… .
في هذه الخطبة التي ألقيت اعتراضاً علی مصادرة مزرعة فدک من قبل جهاز الخلافة، تبدأ الصديقة الزهراء (ع) الکلام بحمد الله و الثناء عليه و ذکر نعمه و شکرها. ثم تستعرض بإجمال و لکن بتعابير عميقة توحيد الله و صفاته. ثم تتطرّق لضرورة الدين و النبوة و دور رسول الله (ص) في إبلاغ الوحي و إرشاد الناس. ثم تتحدث عن واجب المسلمين في السير علی نهج القرآن الکريم، و خلود الوحي الإلهي و شمولية محتواه اعتماداً علی أدلة واضحة متقنة. بعدها تشير إلی حکمة الأحکام الإلهية في جملات موجزة.
ثم تشرع في تعريف نفسها کأبنة رسول الله (ص)، و تؤکد علی أنها صادقة في قولها، و تطرح قرابتها و زوجها من رسول الله (ص)، و تتحدث عن صعوبات إبلاغ أوامر الله من قبل الرسول و الظلمات التي کان يعيشها الناس قبل نزول الوحي، و تنبّه کيف أعان زوجها الإمام علي (ع) الرسول الأعظم (ص) في دربه لإنقاذ الناس من الجاهلية و في قمع الکفار. ثم تعرّج علی بيان النفاق بين المسلمين، و تنتقد الذين يقعون في الفتنة اجتناباً للوقوع فيها، و تتحدث عن تنکّر الناس لکتاب الله و سحقهم سنّة رسول الله (ص). إنهم يدعون في الظاهر أنهم قاموا بهذا من أجل الدين، لکنهم فعلوا ما فعلوه من أجل أنفسهم في حقيقة الأمر. و بهذا الحديث تتطرّق عليها السلام لقضية مصادرة فدک و غصب ميراثها من رسول الله (ص)، و تنتقد حرمان أهل البيت (ع) من الأرث و هو حکم الله، و تسألهم هل يريدون العمل بأحکام الجاهلية؟ و تنتقد أبا بکر ذاکرة آيات من القرآن الکريم تلفت لها نظر الخليفة الذي يتعارض سلوکه مع القرآن الکريم.
ثمّ تتوّجه إلی قبر الرسول الأکرم (ص) و تنشد أبياتاً تشتکي فيها ظلم الناس، ثمّ تتوّجه نحو الأنصار و تنتقد بشدة ما فعلوه و عدم نصرتهم أهل بيت النبي (ع)، و تحذرهم من الأحداث التي ستقع في المستقبل، منبّهة إلی أن الأنصار يعملون علی العودة إلی الجاهلية و العدول من الإيمان إلی الشرک. ثم تقول عليها أفضل الصلاة و السلام إني أعلم أنکم لستم ذوي نصرة، و تؤکد أن قولها هذا لإتمام الحجة، ثم تقول خذوا ناقة الخلافة و هي معيبة دوماً و موصومة بالعار الأبدي.
علي أکبر رشاد
أستاذ البحث الخارج في الفقه و الأصول
بحوزة طهران للعلوم الدينية