دور العقل و مجالات إستخدامه في تحقیق الدين و تطبیقه

دور العقل و مجالات إستخدامه في تحقیق الدين و تطبیقه

دور العقل و مجالات إستخدامه في تحقیق الدين و تطبیقه
علي أكبر رشاد

الخلاصة:
إنّ للعقل في مجال البحث في الدين و الشؤون الدينيّة، وكذلك في التديّن ومقام تحقّق الدين وتطبيقه، إنجازاتٍ كبيرة واستخداماتٍ واسعة ومعطياتٍ كثيرة ووظائفَ متعدّدة، يمكن تقسيمها إلى أقسام مختلفة ومتنوّعة. ونحن نسعى في هذا المقال إلى عرض ثمانية أقسام منها على أساس أوسع التقسيمات لمعطيات العقل، وهي المعطيات العامّة والخاصّة له، مع تقديم شرح مختصر لتلك الموارد. ورغم أنّنا نرى أنّ هذا المقال لا يسعه التطرّق إلى كافّة جوانب الموضوع والإحاطة بكلّ أبعاده، بل البحث المستوفى منه بحاجةٍ إلى مجال أوسع؛ لكنّنا نحاول طرح مشروع بعنوان البِنيّة التفصيليّة لمعطيات وتطبيقات العقل في البحوث الدينيّة، وهي کأطروحة شاملة تكون منطلقاً لدراسة مستوعبة في هذا الإطار.
المفردات الأساسيّة في المقال: العقل، معطيات العقل، مصادر الدين، البحوث الدينيّة، منهجيّة اكتشاف الدين، مجالات الدين.

المقدّمة
إنّ مرادنا من معطيات العقل وإفراضاته في باب الدين هو أنواع الإسهامات والأدوار التي يقوم بها العقل في دائرة البحوث الدينيّة. فلا شكّ أنّ للعقل في مقام البحث في «الدين» و «الشؤون الدينيّة»، وكذلك في أمر التوحيد والتديّن ومقام تحقّق الدين، استخدامات کثیرة وتطبیقات كبيرة. فاستعمال العقل في مجال البحث الدينيّ يمثّل أحد العوامل الأساس والبحوث الرئيسة في منطق الكشف عن النصوص والتعاليم الدينيّة. ومن جملة التقسيمات لمعطيات العقل وإفراضاته المتكثّرة، التقسيم السداسيّ الآتي:
1ـ توليد المعرفة الدّینیّة کمصدر دیني. 2ـ إثبات حجیّة مصادرها. 3ـ إحراز هویّة تلک المصادر. 4ـ إستنطاق النّص الدّینیّ وتعقّله. 5ـ نقد المعرفة. 6ـ تصنیع مکانیکیّة تطبیق الدّین في حیات الإنسان.
دور العقل في فهم الدين و توليد المعرفة الدّینیّه ـ الذي يمثِّل أوّل منجزات العقل وأبرزها مطلقاً ـ يعني أنّ بعض المعارف الدينيّة من نتاج العقل نفسه، فهو الذي ينتجها ويضعها تحت تصرّف الإنسان. وعلى هذا الأساس، فجملة «الله موجود» عبارة عن قضيّة معرفيّة حاكية عن حقيقة واقعيّة في الخارج، فمؤدّى هذه القضيّة يخبرنا بوجود حقيقة خارجة عن ذهن الإنسان اسمها «الله»؛ و علیٰ الرغم من أنّ قضيّة «الله موجود» هي قضيّة القضایا الدینیة و أُولیها وأَولیها، قضیّه معقولة، وليست منقولة (الآيات والروايات).
ولا ريب أنّ التمسّك بالنقل قبل إثبات مبدأ الدين والنبوّة العامّة والخاصّة، وقبل إحراز حجّيّة الكتاب والسنّة بالعقل، یستلزم الدور؛ فمن اللازم أوّلاً إثبات وجود إلهٍ قام بإرسال النبيّ وإنزال الكتاب من عنده، ومن ثمّ يصحّ التمسّك بالنقل لإثبات النصوص الدينيّة. وكما هو ملاحَظ، فإنّ قضيّة «الله موجود» تُعتبَر أساس الدين وأصله وفصّه، وجميع القضايا الحِكميّة والحُکمیّة للدين تبتني عليها وترجع إليها في الجملة؛ إذ لولا المبدأ والـ «ما وراء» لما بقي معنى للأحكام القدسيّة والإرشادات الأخلاقيّة، فجمیع التعاليم الحُكميّة والخُلقيّة في الدين مَدينة في تجلّيها ووجودها إلى ذلك المبدأ، ولا يمكن إثباتها وإدراكها إلّا من خلال الإستعانة بالعقل. [ویرایش 15/10/92]
ومن هنا، يتّضح أنّ عدّ أصول الدين ثلاثة أو خمسة أو أكثر من ذلك في بعض الأحيان إنّما هو تقسيم تعليميّ مسامحيّ فقط، وإلّا فالأصل الأصيل للدين واحد لا غير، وهو قضيّة «الله موجود». غير أنّنا نقول: بما أنّ الله تعالى حكيم وعادل ورحيم ولطيف، فإنّه يهدي مخلوقه إلى مسيرة الكمال؛ وبهذا تثبت النبوّة ونزول الوحي. كما يترتّب على ذلك أنّه يثيب المحسنين ويعاقب المجرمين؛ وعليه يلزم المعاد أيضاً.
وهكذا، نرى أنّ الأنبياء الإلهيّين يوكلون إحراز أصل الأصول ـ وجود الله تبارك وتعالى ـ إلى العقل أو الفطرة الإنسانيّة؛ فيخاطبون من ينكرون وجوده تعالى بالقول: ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (إبراهيم: 10)، والمقصود من ذلك: إرجعوا إلى عقولكم وفطرتكم، ولاحظوا هل من الممكن انعدام وجود الله ؟ بناءً على ذلك، يقوم العقل والفطرة بدور معرفيّ، ويكونان مسؤولين بصورة مباشرة عن توليد جزء من المعرفة الدينيّة.
وهناك آيات عدّة تؤكّد على هذا المعنى وتشدّد على دور العقل في توليد المعرفة، نحو قوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ (البقرة: 73)، وقوله: ﴿ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ (الأنبياء: 67)، بالإضافة إلى الآيات 164 و 170 و 171 من سورة البقرة، والآية 22 من سورة الأنفال. كما تعتبر بعض الآيات القرآنية العلم عِدلاً للكتاب السماويّ كونه يمثّل مصدراً ومنبعاً لمعرفة الحقيقة والوصول إلى المعرفة، نحو قوله جلّ وعلا: ﴿ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾ (الأحقاف: 4). وذهبت بعضها إلى كون السمع (النقل) والعقل معاً حجّةً وأنّها في عرض بعضها البعض، محتجّةً بذلك على المنكرين لهذا المعنى، من قبيل قوله عزّ وجلّ: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ (الملك:10).( )
أما الدور الآخر للعقل في البحوث الدينيّة فيتجسّد بإيضاح وتفسير الأدلّة الأخرى والإفصاح عنها؛ فلا يتسنّى إدراك وفهم النقل من دون استخدام العقل. ومن هنا، لو لم يكن لمن يخاطبه الدين عقل لما كان مخاطباً من قبل الدين أساساً؛ فعلّة اختصاص الإنسان بالخطاب الدينيّ وحيازته لمقعد المخاطَب الدينيّ هي مراتب العقلانيّة لديه. كما أنّ الإنسان يصل مرحلة فهم الخطابات القدسيّة من خلال استعمال تلك الموهبة.
وفي هذا الإطار، أشارت بعض الآيات الشريفة إلى الدور التفسيريّ والإيضاحيّ للعقل، نحو قوله تعالى: ﴿ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ ﴾ (البقرة: 75)، حيث تؤكّد هذه الآية على أنّ الإستماع إلى كلام الله مقدّمة لإدراكه. ورأت آيات أخرى أنّ سرّ فصاحة لسان القرآن هو دعوته إلى التعقّل والتدبّر وجعله أمراً ممكناً، نظير قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ (يوسف: 2)، وقوله: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ (الزخرف: 3).
الدور الثالث للعقل ـ على ما ذكرنا ـ هو التحليل والمقارنة؛ بمعنى أنّه بعدما يتمّ الحصول على لون من ألوان المعرفة ومعنى خاصّ من معانيها عن طريق بعض الدوالّ، يقوم العقل بتمحيصه ودراسته ومقاربته ليعيّن الصواب عن غير الصواب منه. وإذا ما لاحظ أنّ ظاهر آيةٍ ما أو حديثاً من أحاديث المعصوم لا ينسجم مع الموازين والملاكات العقلانيّة الموجودة، فإنّه سرعان ما يدعونا إلى إعادة النظر والتأمّل في ذلك؛ في سبيل الحصول على المعنى الدقيق والصائب للآية أو الرواية. وإن لم يتيسّر له نيل معنى معقول ومقبول، فإنّه يقرّ بالعجز ويأمرنا بالتوقّف والتسليم.
ومن ناحية أخرى، لا يناقش العقل في صحّة نسبة الآيات إلى المبدأ الوحيانيّ؛ لأنّه أمر لا يتطرّق إليه الشكّ. وأما لو أفاد ظاهر السنّة معنى أو مدّعى غير عقلانيّ، فيمكن تطرّق الشكّ إلى صحّة استناده إلى مبدأ المعصوم.
هذا، ويتجلّى الدور المعرفيّ والتفسيريّ والتحليليّ للعقل في الإطار الدينيّ في مقام الكشف عن الدين من جهة، وفي مقام استخدام سائر الدلالات والحجج ـ كما في المساعدة على توظيف القرآن والسنّة القوليّة والفعليّة لكشف المرادات الإلهيّة ـ من جهة أخرى، في مقام تحقّق وتطبيق الدين من جهة ثالثة.
ولا ريب أنّه يمكن تقسيم معطيات العقل في الإطار الدينيّ إلى أقسام عدّة، لكنّ أوسعها وأشملها هو تقسيمها إلى المعطيات العامّة والمعطيات الخاصّة. وسيتمّ تحديد سعة دائرة هذه المعطيات على أساس هذا التقسيم، حيث سيجري تناول خمسة وثلاثين من هذه الإستخدامات والمعطيات المتنوّعة للعقل ضمن فصول موجزة ومختصرة. فنتناول بدايةً المعطيات العامّة في البند الأول، ومن ثمّ نبحث في المعطيات الخاصّة في البند الثاني، وبالتالي ننهي هذا المقال بتقديم مشروع تحت عنوان البنية التفصيليّة لمعطيات العقل في البحوث الدينيّة في البند الثالث.

البند الأول: المعطيات العامّة للعقل في الكشف عن الدين
تطلق المعطيات العامّة للعقل على تلك الفئة من المعطيات التي لا تختصّ بمجال خاصّ من المجالات الدينيّة المتكثّرة؛ إذ لو اختصّت بمجال خاصّ لأطلق عليها حينئذٍ اسم المعطيات الخاصّة.
ولا ريب أنّ المعطيات العامّة للعقل في غاية الكثرة والوفرة، منها الموارد التي نشير إليها فيما يلي:
1-1. إدراك تصوّرات ضرورة وجود الدين
لا بدّ ـ في مرحلة سابقة على الإيمان بالدين ـ من بيان المباني والمناشيء المختلفة للدين عن طريق الاستعانة بالدوالّ والمصادر المعرفيّة غير النقليّة، فالعقل في ضوء تراكم التجارب لديه يقول: الإنسان موجود مدنيّ الطبع. وبما أنّ هذا العقل، بالإضافة إلى كافّة المصادر المعرفيّة التي بحوزة البشر، غير محيطة بجميع حقائق العالم وبكافّة مصالح الإنسان، فليس بمقدوره إذ ذاك صياغة جميع القوانين التي تؤمّن له كافّة مصالحه ومنافعه الحقيقيّة كما ينبغي. وعلى هذا الأساس، يجب أن يكون مبدأ القانون شخصاً عارفاً بالإنسان ومصالحه كما هي، وهو لا يعدو الخالق والصانع للإنسان.
وهكذا، يمكن إرساء قواعد ضرورة الدين وفلسفة النبوّة طبعاً عن طريق العقل، وبالتالي، يترتّب على ذلك إثبات ضرورة إيمان الإنسان بالدين، ولزوم اعتناقه له. كما أنّ العقل يرى عدم كفاية الإعتقاد بالدين فقط، بل يصبح من الضروريّ الإلتزام به وتحقيقه على الصعيد الفرديّ والإجتماعيّ للإنسان،وإلا، لزم من ذلك اللغو. وبناءً على ذلك، فالعقل ـ فضلاً عن إثبات مبدأ الدين وبيان مناشئه ومبانيه ـ يتكفّل بإثبات ضرورة الدين والعقيدة أيضاً.
1- 2. وضع الأسس لإدراك النظُم المعرفيّة للدين
علاوةً على إثبات التصوّرات الخاصّة بلزوم باعتناق الدين، وضرورة الإلتزام والإعتقاد به، يقوم العقل ـ وفقاً لعدد من المباني، نحو إثبات مباديء العزيمة على الكشف عن الدين وفهمه ـ بتحديد وتشخيص مباني فهم واستيعاب كلّ واحد من المجالات والنظُم المعرفيّة الدينيّة الخمسة؛ أي الإدراك، الفعل، التقييم، التربية، والعلم.
فعلى سبيل المثال، يثبت العقل بأنّ الله تعالى حكيم وعادل، وفي النتيجة يثبت أنّ أقواله وأفعاله لا بدّ أن تكون حكيمة وعادلة. وبناءً على ذلك، ينبغي أن تكون أحكامه الإلهيّة، بكلا قسميها: الإلزاميّة والأخلاقيّة، حكيمة وعادلة كذلك؛ وعلى هذا الأساس، يؤدّي الإعتقاد بالحكمة والعدالة الإلهيّة لإدراك النظُم المعرفيّة للدين إلى تأسيس مبنى خاصّ، يوضع تحت تصرّف الفاهم. ولهذا، فإنّ المفسّر يدرك الفروع على أساس اقتضاءات هذه الصفات؛ فلو صادف خلال أحكامه المستنبَطة أمراً منافياً للحكمة، أو يبدو كأنّه ظالم، يعمد إلى الخدشة فيه، أو يعدّه من المسائل المشتبهة، أو يذعن بعجزه عن الفهم. نعم، إظهار العجز في حدّ ذاته بمثابة فهم للمسألة.
1- 3. إثبات إمكان فهم الدين
قد يُسأل: أمن الممكن التوصّل إلى فهم صحيح ودقيق للدين ؟، وتتجلّى أهميّة هذا التساؤل حينما يتم الإعتناء بالمنازعات الموجودة حول إمكان فهم حقيقة الدين والدين الحقّ، أو عدم إمكان ذلك.
ذهب البعض إلى أنّ النصّ الدينيّ يفتقر إلى المعنى الواحد والمحدّد، من منطلق إمكان وجود قراءات مختلفة له، فلا تفسير موضوعيّ ونهائيّ له ! بل يرى بعضهم أنّ القراءات المختلفة تعدّ من جملة خصائص الدين نفسه ! وبلغ بهؤلاء الأمر أن قالوا بأنّ النصّ الواحد يُحتمل فيه قراءات متناقضة ومتعاكسة. وفي نهاية المطاف، يؤمن هؤلاء بأنّ هذا الحكم الكليّ شامل لجميع النصوص المقدّسة في كافّة الأديان.
لكنّ العقل، اعتماداً على شواهد وأدلّة وبراهين واضحة، يبطل مبدأ القراءات المتعدّدة للنصوص الوحيانيّة ويثبت الفهم والتفسير الواحد للدين. فصحيح أنّ بعض النصوص (من آيات وروايات) قد تُفسّر من قبل عدّة أشخاص بتفاسير متفاوتة؛ لأنّ ذلك مما لا سبيل إلى إنكاره، إلا أنّه لا يعني فهماً متفاوتاً لجميع النصوص الدينيّة من قبل الأشخاص المختلفين، وكون تلك التفسيرات والقراءات المختلفة متهافتة ومتناقضة مع بعضها البعض. بل غاية ما يمكن أن يقال: إنّ هذا الإدّعاء صادق على نحو الموجبة الجزئيّة لا بنحو الموجبة الكليّة؛ ذلك أنّ عدم القابليّة على فهم الدين مغاير ومتعارض مع صفات الحكمة، وعدل المبدأ وصاحب النصّ، وكذلك هداية الحقّ تعالى وحكمته، وهداية النصّ الدينيّ.
وفي هذا الإطار، لا يتسنّى الردّ على كثير من التساؤلات المتّصلة بإمكان فهم الدين ومنهجيّته إلا من خلال استخدام العقل.( )
1- 4. المساهمة في تحديد هويّة المجالات المعرفيّة للدين
إنّ العقل يعيننا على تحديد الخصال والخصائص المختلفة لكلّ واحد من المجالات المعرفيّة للدين؛ فلا ريب أنّ معرفة طبيعة خصائص المباحث والمسائل الخاصّة بكلّ من الحكمة النظريّة والحكمة العمليّة، وتحديد مواصفات واختصاصات مجالات العلم والعقائد والأخلاق، وتشخيص ماهيّة الأحكام الدينيّة، ذات تأثير مصيريّ ومحوريّ في مسيرة الكشف عن الدين، وصياغة وتأسيس قواعد وضوابط متناظرة، والكشف عن النصوص والتعاليم الدينيّة لكلّ واحد من المجالات المعرفيّة المتنوّعة.
1- 5. المشاركة في تنسيق منطق الكشف عن الدين وفهمه
من المعطيات العامّة الأخرى للعقل في حيّز الدين، المساعدة على تنظيم الضوابط والقواعد العقلائيّة للكشف عن الدين وفهمه، وكذلك منهجة تلك الفئة من القواعد المستفادة من طرق المصادر والمنابع الأخرى، من قبيل القرآن والسنّة؛ فلولا العقل لما أمكن ذلك التنظيم وتلك المنهجة. وعلى فرض أنّ الإنسان كان قادراً على تأسيس قواعد الكشف، وإطلاق لفظ القواعد عليها، غير أنّه لا يستطيع أبداً ـ في غياب العقل ـ تنظيم وترتيب ومنهجة تلك القواعد في منظومة منسجمة، كيما يستخدمها في الكشف عن الدين والقضايا المتعلّقة به. بناءً على ذلك، ففهرسة ومنهجة ما يمكن أن نطلق عليه منطق الكشف عن الدين وفهمه وما يندرج تحت هذا العنوان إنّما يحصل بمعونة العقل.
1- 6. صياغة ضابطة وقاعدة للكشف عن الدين وفهمه
العقل هو من يطرح بعض القواعد والضوابط الخاصّة بالكشف عن الدين وفهمه. بعض هذه القواعد ذات استخدام عامّ، فتدخل في إدراك عدّة مجالات مختلفة، وبعضها الآخر ذات استخدام خاصّ ومحدود، فلا يستفاد منه إلا في إدراك وفهم بعض المجالات الخاصّة، أو جزء معيّن من أحد تلك المجالات.
من جملة القواعد العامّة التي لها مدخليّة في جميع المجالات قاعدة اللطف، حيث يجري الاستفادة منها بشكل واسع في الكلام وفي الفقه على حدّ سواء. ففي مجال العقائد مثلاً، يقال: يُنتظر من الله تعالى أن يبعث الرسل من باب اللطف ليتسنّى هداية البشر إلى الصراط المستقيم؛ وبهذا تثبت النبوّة العامّة. كما يُتمسّك بقاعدة اللطف كذلك في إثبات لزوم الحجّة ونصب الإمام المعصوم، ويستفاد منها أيضاً في إثبات لزوم تشريع التعاليم الحُكميّة والحكوميّة، حيث يقال في ذلك: يجب ـ وفقاً لقاعدة اللطف ـ أن يزوّد الباري جلّ وعلا الخلق بالقوانين الحكوميّة والتعاليم السياسيّة الفاعلة والمؤثّرة؛ ليستطيع الإنسان من خلال ذلك التوصّل إلى الهداية والنجاة.
وفضلاً عن دائرة العقائد والأحكام، ثمّة استعمال لقاعدة اللطف في مجال أدلّة الأحكام أيضاً. فعلى سبيل المثال، تمسّك البعض بهذه القاعدة لإثبات حجّيّة الإجماع، وذهب من تمسّك بها هنا إلى أنه لو أجمع كافّة الفقهاء والعلماء في عصر من العصور على حكمٍ ما، وأفتوا جميعهم بفتوى واحدة على ضوء ذلك، لكنّ فتواهم كانت خاطئة؛ فبما أنّ الأمّة بأجمعها ستعمل بهذا الحكم الخاطيء، وبالتالي تكون مخطئة في عملها، يتوجّب على المعصوم وحجّة الله في الخلق ـ بموجب قاعدة اللطف ـ أن يحول دون إجماع الفقهاء على الخطأ؛ لئلا تقع الأمّة في الخطأ أيضاً، بل يتعيّن عليه أن يلقي الرأي الصائب بنحو من الأنحاء في روع أحدهم، أو أن يقوم بإبداء الرأي الصحيح من خلال ظهوره في هيئة واحد من الفقهاء، كلّ ذلك في سبيل منع الاجتماع على الخطأ، والحيلولة دون وقوع كافّة المؤمنين في الخطأ.
إنّ استخدام نمطٍ أو أسلوبٍ أو قاعدةٍ ما، يتوقف إلى حدّ كبير على تحقّق جملة من الشرائط، ولزوم رعاية بعض الشروط. ومرادنا من ضوابط الكشف شروط وشرائط الفاعليّة والاستخدام للنمط والدالّ، بالإضافة إلى الأسلوب والقاعدة الداخلة في الكشف عن النصوص والتعاليم الدينيّة. والعقل قادر على معرفة وتحديد معظم تلك الشروط.
1- 7. اكتشاف وإثبات حجّيّة المدارك والدوالّ الدينيّة
إنّ الكشف عن الحجج والبراهين الدينيّة وإثبات حجيّة الدوالّ والمدارك يقع على عاتق العقل بصورة رئيسة، حيث تشكّل دراسة هذا البُعد من أداء العقل القسم الأعظم من مباحث علم أصول الفقه؛ إذ أنّ حجماً كبيراً من مباحث الأصول ـ حتّى في مبحث الألفاظ ـ عبارة عن مباحث عقلانيّة.
1- 8. وضع قواعد وضوابط لإحراز الأدلّة والمدارك الدينيّة
علاوةً على إثبات حجيّة الدوالّ والمدارك المعتبرة (المصادر الدينيّة)، يعتبر تحديدها وتشخيصها وبلورتها أيضاً من جملة المعطيات الهامّة للعقل؛ فالعقل يعين المفسّر والمتلقّي على إدراك وإحراز براهين ومدارك الحجّة، فيفرز ويحدّد السنّة من غير السنّة مثلاً. ولا ريب أنّنا من دون العقل غير قادرين على إثبات الحجّيّة ولا على إحراز حجج ومدارك الكشف عن الدين.
1- 9. المقارنة بين الدوالّ والمدارك المعتبرة
يعدّ تعيين النسبة الكليّة بين كلّ واحد من المدارك والدوالّ إلى الآخر من جملة المباحث الهامّة والخطيرة في منطق اكتشاف الدين؛ فأيّها المقدّم وأيّها المؤخّر، وأيّها المهيمن وأيّها التابع بلحاظ الترتيب بين العقل والفطرة والكتاب والسنّة القوليّة والسنّة الفعليّة، وأيّها الراجح وأيّها المرجوح في مقام المقارنة، من القضايا المصيريّة في إدراك وفهم الدين ؟ للعقل دور رياديّ وبارز في هذا المضمار. وهذه المسألة مغايرة لمسألة تعارض الأدلّة؛ إذ من الممكن أن يُبحث هناك طرق حلّ التعارض بين دليلين ينتميان إلى نوع واحد من المدارك والدوالّ، ويعدّان من أفراده ومصاديقه.
1- 10. تفسير وإبراز المدارك
من المعطيات والاستخدامات الأخرى للعقل تفسير وإيضاح الآيات والروايات؛ حيث يجري إبراز معنى الكتاب (فهمه وتفسيره) والسنّة القوليّة والسنّة الفعليّة في ظلّ مساعدة العقل بشكل رئيسيّ. ويمثّل هذا الدور للعقل أيضاً أحد أهمّ الأدوار والمعطيات.
1- 11. التحليل ومعرفة الصواب من غير الصواب في المعرفة الدينيّة
بالإضافة إلى دور العقل في الكشف عن الحجج وإثبات الحجيّة وإحراز المدارك والدوالّ، ومساهمته في إبراز معانيها ورسم صورتها، فإنّه يعيننا على إماطة اللثام وفرز المعرفة الخالصة والصالحة عن المعرفة غير الخالصة والطالحة؛ فالعقل يوفّر هذه الإمكانيّة للمفسّر من خلال جعل الضوابط والقواعد وصياغة الآليّات المناسبة في هذا المجال.
1- 12. تصحيح ومعالجة أخطاء المعرفة الدينيّة
فضلاً عن جميع المعطيات الآنفة للعقل، فإنّ أحد الاستخدامات والمعطيات الأخرى للعقل في مجال البحث الدينيّ معالجة الأخطاء الواقعة في المعرفة الدينيّة؛ فلمّا نتوصّل إلى معرفةٍ ما، سواء عن طريق العقل أم عن طريق المدارك والأدلّة، ثمّ ندرك أنّنا أخطأنا في تحصيل تلك المعرفة، فالعقل هو من يتكفّل بتعليمنا طريقة رفع ذلك الخطأ، وتفادي تداعياته المحتملة.
ولمزيد من الإيضاح نقول: ناهيك عن تقييم المعرفة الدينيّة، وتحديد مواطن الصواب وغير الصواب فيها، ممّا تقدّم ذكره فيما مضى، يقوم العقل بمعالجة ورفع الأخطاء في المعرفة الدينيّة، وهو ما يعدّ عملاً وإنجازاً مستقلاً للعقل؛ لذا يمكن، بل يجب، اعتبارهما أمرين منفصلين ومستقلّين. وعلى هذا الأساس، يصبح من الضروريّ طرح بحث مستقلّ في ذيل منطق الكشف عن الدين وفهمه تحت عنوان سبل علاج فهم الدين واستخدام مدارك الكشف، وهذه السبل عقلانيّة بالدرجة الأساس.
1- 13 و14 و15. وضع حلول لأنواع التقابل والتعارض
قد تبرز ثلاثة أنواع من التقابل والتعارض في دائرة منطق الكشف والمعرفة الدينيّة:
1- التقابل والتعارض بين حكمين، والذي يصطلح عليه بـ تزاحم الحكمين، بمعنى وقوع تزاحم بين حكمين من الأحكام، بحيث لا يمكن تطبيق وإجراء الحكمين معاً، نحو إنقاذ غريقين في آنٍ واحد.
2- التقابل بين دليلين، الذي يطلق عليه التعارض بين دليلين؛ وهو ما يتمّ بحثه في مبحث التعادل والتراجيح في أصول الفقه.
3- التعارض بين مصداق متعلّق حكمين، بمعنى أنّه قد يتّفق اتّحاد المصداق في متعلّق حكمين مختلفين، والذي يمكن تسميته بـ تصادق المتعلّقين. وهنا، لا يحصل تزاحم وتعارض بين نفس الحكمين أو أدلّتهما، بل المصداق الموجود أمامنا مصداق متعلّق للنهي ومصداق متعلّق للأمر في الواقت ذاته؛ فكأنّ فعلاً واحداً يصبح مصداقاً للمنهيّ عنه ومصداقاً للمأمور به في آنٍ واحد. ويُعبّر عن هذا الأمر في اصطلاح علم الأصول بـ اجتماع الأمر والنهي في متعلّق واحد.
والمثال المعروف لهذه المسألة، والذي طالما يرد ذكره في الكتب الأصوليّة، هو ما لو كان الشخص في مكان مغصوب ووجبت عليه الصلاة؛ فمن جهة، يجب عليه إقامة الصلاة امتثالاً للأمر المولويّ صلّ. ومن جهة أخرى، يلزمه عدم التصرّف في المكان المغتصب بحكم النهي القائل: لا تغصب. ولمّا يقوم مثل هذا الشخص بأداء الركوع مثلاً، يكون فعله متعلّقاً للوجوب، من حيث كونه حركة من حركات الصلاة الواجب أداؤها، كما يكون متعلّقاً للحرمة ومصداقاً للتصرّف في مال الغير وفعلاً غصبيّاً من الحيث الآخر لنفس الحركة.
في هذه الحالة، لم يحصل تزاحم بين الحكمين، بل الصلاة واجبة في موضعها، والغصب حرام في محلّه أيضاً. كما أنّ دليليهما ليسا بالمتعارضين كذلك؛ ذلك أنّ أحدهما دالّاً على وجوب الصلاة، والآخر دالّاً على النهي عن الغصب وحرمته. غاية الأمر، أنّ متعلّقي الحكمين قد تصادقا وتطابقا بلحاظ المصداق فقط.
نعم، المسألة ليست بهذه السهولة المذكورة؛ إذ أنّها محلّ للجدل والنزاع بين الفقهاء، ودونها خرط القتاد كما يقولون. كما يظهر من التقاطع التامّ في الآراء بين علَميْن بارزَيْن من الأصوليين ونحريرَيْن من كبار الفقهاء المتأخّرين، المعاصرَيْن لبعضهما البعض، وهما الآخوند الخراسانيّ – ت 1328 ﻫ – (الخراسانيّ: 89- 160) والميرزا النائينيّ – ت 1355 ﻫ – (الكاظميّ، 1404 ﻫ: 394- 453). ولا شكّ في أنّ هذا النزاع كان مستمرّاً قبلهما وبعدهما، وسيظلّ كذلك أيضاً.
وعلى هذا الأساس، فالحلّ الذي يُطرح لكلّ واحد من أنواع التعارض الثلاثة المذكورة (تزاحم الحكمين، تعارض الدليلين، تصادق المتعلّقين) بوسعه أن يمثّل مورداً من الموارد الهامّة لمعطيات العقل ووظائفه، خاصّة في مجال استنباط الأحكام. على أنّه يمكن فرض جريان بعض أنواع التعارض والتقابل المذكور أيضاً في دائرة استنباط النصوص والقضايا العقديّة في الدين، ممّا يقع حلّها على عاتق العقل. وبهذا، نكون قد أشرنا إلى المورد الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من معطيات العقل في آن واحد.
1- 16. الحكم بضرورة الإلتزام بمفاد القضايا الدينيّة
كما أنّ العقل في حيّز الأحكام يدفع بالإنسان إلى الإلتزام الجوارحيّ تارة والجوانحيّ أخرى بالتعاليم الحُكميّة والفعليّة، فإنّه في حيّز الأخلاق أيضاً يدعو الإنسان إلى اتّباع التعاليم الأخلاقيّة والأوامر الإرشاديّة. ويتجلّى هذا الدور للعقل في دائرة العقائد على شكل توجيه ضرورة الإعتقاد؛ بمعنى الإلتزام القلبيّ (الجوانحيّ) فقط، فالعقل يقول: إذا أمكن إثبات القضيّة اللاهوتيّة بالأدلّة المعتبرة يصبح الإيمان والإعتراف بها أمراً لازماً، وإن كان ثبوت قضيّةٍ ما بالأدلّة العقليّة يوجب إقناع العقل بصورة تلقائيّة، وبالتالي يستلزم الإعتقاد والإيمان.
ومن هنا، فإنّ إثبات قضيّةٍ ما عن طريق العقل يساوق إثباتها بالأدلّة، وكذا الحال في تثبيت تلك القضيّة في قلب الإنسان؛ ونتيجة ذلك: أنّ الإنسان لمّا يدرك بعقله مثلاً وجود الله سبحانه، يكون في الوقت ذاته مؤمناً ومعتقداً به أيضاً؛ فلا فرق بين المعرفة وبين الإعتقاد، ولا بين الإدراك وبين الإيمان.
وهنا، نصل إلى نهاية المعطيات والاستخدامات العامّة للعقل، حيث نكتفي بهذا المقدار من العدد والحدود، وإن كانت في الحقيقة تفوق هذه الموارد المذكورة بكثير. وسنحاول فيما يلي تسليط الضوء على المعطيات الخاصّة للعقل.
البند الثاني: المعطيات الخاصّة للعقل في تحقيق المجالات الدينيّة
سبق وأن ذكرنا بأنّ من أهمّ التقسيمات الثمانية لمعطيات العقل تقسيمها إلى العامّ والخاصّ، وقد بحثنا إلى الآن بصورة مختصرة المعطيات العامّة للعقل في مجال الكشف عن الدين ومعرفة أبعاده المختلفة. والآن نحاول تقديم شرح مختصر لمعطيات العقل الخاصّة في مقاميْ تحقيق وتحقّق كلّ واحد من المجالات المعرفيّة والمعيشيّة للدين. ولئن قصرنا إطلاق اسم المعطيات العامّة على تلك المجموعة من المعطيات التي تستخدم في معظم المجالات الدينيّة الخمسة، أو لا أقلّ في اثنين من تلك المجالات فقط، فلا بدّ من إطلاق المعطيات والاستخدامات الخاصّة على ما يتجلّى منها في مجال واحد فقط.
ومن بين المعطيات الخاصّة للعقل، يعتبر استخدامه في مجال العقائد والعلم الدينيّ (2- 1) هو الأوسع، ثم تأتي مجالات الأحكام (2- 2) والأخلاق (2- 3) والتربية (2- 4) في المراتب اللاحقة.
2- 1. المعطيات الخاصّة للعقل في مجال العقائد (المعتقدات والقضايا اللاهوتية)
2- 1- 1. الإدراكات الإستقلاليّة لأصول العقائد
من جملة معطيات العقل الخاصّة في مجال العقائد، إدراك أمّهات المسائل والقضايا اللاهوتيّة إدراكاً مستقلّاً؛ فهو يدرك بصورة مستقلّة كبريات وأصول العقائد الأساسيّة من قبيل: وجود الواجب، التوحيد، المعاد، ضرورة الدين، والنبوّة العامّة.
والإدراك الإستقلاليّ هو الإدراك الذي تكون كافّة المقدّمات، أو لا أقلّ كبرى الإستدلال المولّد للمعرفة، فيه عقليّة؛ وإمّا الإستدلال الذي تكون كبراه نقليّة، فلن يؤدّي إلى إدراك عقليّ مستقلّ.
2- 1- 2. إدراك وإثبات القضايا الفرعيّة اللاهوتيّة للدين
العقل قادر أيضاً على إدراك وإثبات بعض القضايا الفرعيّة؛ فعلى سبيل المثال، فضلاً عن إثبات ضرورة النبوّة، يمكن إدراك بعض فروع وتوابع هذا الأصل، نحو عصمة النبيّ، من خلال الإستعانة بالعقل. فالعقل يقول: إن لم يكن النبيّ معصوماً فلا يلغى في حقّه احتمال الخطأ في تلقّي أو تعبير أو تبليغ الوحي، أو تطبيق الشريعة، كما لا ينتفي ـ في مقام الإلتزام بالشريعة ـ إمكان ارتكابه للخلاف والخطأ. الأمر الذي يفضي إلى التعارض، أو قد يبعث على حيرة المؤمنين. فلو لم يكن النبيّ معصوماً لاحتُمل في حقّه الخطأ في تلقّي الوحي، أو الخلط بينه وبين غيره، فيتصوّر ما ليس بوحي وحياً، أو قد لا يكون قادراً على التعبير الصحيح عن النصوص الوحيانيّة، وبالتالي يبتلى بالخطأ في مقام نقل رسالة الوحي والتبليغ والدعوة إلى الدين. وكلّ ذلك يسفر عن نقض الغرض من النبوّة والرسالة.
النبيّ يجب أن يكون معصوماً أو النبيّ معصوم قضيّة لاهوتيّة فرعيّة، لكنّها من مدركات ومداليل العقل. وهذه ليس هي القضيّة الوحيدة المُدرَكة من قبل العقل، بل إنّ القضايا اللاهوتيّة الفرعيّة التي بوسع العقل إدراكها كثيرة جدّاً.
ثمّ إنّ الإلهيّات بالمعنى الأخصّ في الفلسفة الإسلاميّة تسعى جاهدة إلى الكشف عن العقائد الدينيّة وإثباتها حتّى بلغة الفلسفة (العقل البرهانيّ المحض). ولمّا يجري البحث في الفلسفة عن الإلهيّات بالمعنى الأخصّ، سنكون ـ طبعاً ـ في مواجهة مجموعة من القضايا العقليّة التي يتمّ إدراكها وإثباتها بالمقدمّات العقليّة. وهكذا الحال في علم الكلام أيضاً؛ فالكلام وعلى الرغم من أنّه علم ذو أدوات ووسائل متعدّدة ومتنوّعة، إلا أنّه يدخل في عداد العلوم العقليّة؛ ذلك أنّ العقل أهمّ دالّ، والأسلوب العقليّ أهمّ أسلوب، في الكشف عن النصوص والقضايا العقليّة أو الدفاع عنها. ومن هنا، فعمدة المباحث والمفاهيم المبحوثة في علم الكلام عقليّة.
2- 2. المعطيات الخاصّة للعقل في مجال الأحكام (ما ينبغي فعله)
للعقل دور واسع جدّاً في مجال الأحكام، وسنشير فيما يلي إلى بعض النماذج والموارد البارزة في هذا الصدد:
2- 2- 1. إدراك بعض أمّهات القضايا وعمدة الأحكام
ثمّة قسم كبير من أصول وأمّهات الأحكام الإلهيّة أحكام عقلانيّة؛ فهي تقبل الإدراك من دون إبلاغ الشارع أيضاً، وهذا الأمر بدوره أدّى إلى اعتبار العقل أحد المصادر الفقهيّة. ولتأييد دور العقل في هذا المجال، يمكن الرجوع إلى القواعد الفقهيّة التي تمثّل أحكاماً فقهيّة كليّة.
2- 2- 2. الإدراك الإستقلاليّ لبعض علل وحِكَم الأحكام الدينيّة
نواجه في حيّز الأحكام جملة من الأوامر والنواهي (طلب أداء الفعل وطلب تركه)؛ لذا، نعبّر عن الأحكام بـ ما ينبغي فعله. أمّا في الأخلاق فنحن على موعد على ما يرجح فعله ويُرغب فيه؛ لأنّ الكلام هناك عن الحسن والقبيح، اللائق وغير اللائق.
على أنّ المسلمين أنفسهم في الفكر الدينيّ قاموا بالتمييز والتفكيك والفصل بين ما يُرغب فيه وبين ما ينبغي فعله، وهو عمل صحيح وفي غاية الدقّة والمتانة، كما أنّه وليد الجامعيّة والشموليّة والغنى الذي اتّسم به الدين الإسلاميّ. ومن هنا، فهذا التفكيك متعذّر ومستحيل في الأديان الأخرى نظير المسيحيّة الموجودة بالفعل، أو أشباه الأديان كالبوذيّة مثلاً. ومن هنا، فليس في تلك الأديان وشبه الأديان حقل معرفيّ تحت عنوان الأحكام، بل تُقسّم المنظومة المعرفيّة لديهم إلى العقائد والأخلاق، وإذا ما كان هناك نوع من الأحكام فهي تُدرج في ذيل الأخلاق.
بينما في الإسلام، فبما أنّ قسم الأحكام قسم غنيّ، قام المسلمون بفرزه وعزله عن الأخلاق. لكن، وللأسف الشديد، ثمّة نقص فاحش ـ في مقام توليد المعارف ـ في مجال الأخلاق بالمقارنة إلى مجال الأحكام.
ويعتبر القرآن المصدر الأول في دائرة الأحكام، ثمّ يليه السنّة القوليّة والعقل والسنّة الفعليّة والفطرة في بعض الأحيان في المرتبة الثانية وحتّى الخامسة، كما أنّ الإجماع يعدّ من جملة مصادر الفقه أيضاً. والقسم الأعظم من الأصول والقواعد المستخدمة في مقام استنباط الأحكام هي الأصول والقواعد العقليّة، وإن قلنا في مقام البحث بكونها من الأمور التشريعيّة، فنسعى إلى إسناد حجيّتها إلى التشريع، حيث إنّ هذه هي الرؤية الشائعة في أصول الفقه في الوقت الراهن.
ثمّ إنّ القواعد الفقهيّة قواعد عقليّة غالباً؛ لأنّها تُقسّم إلى قسمين:
1- قواعد ناشئة عن الرؤية العقلائيّة، وقد صارت حجّة بعد عدم ردع الشارع عنها. فلو راجعنا بُنية وباطن بعض الموارد في هذه المجموعة من القواعد كذلك، لوجدنا أنّ الإستدلال العقليّ يشكّل عصب الحياة بالنسبة لها، ولم يكن العقلاء ليتصرّفوا وفقاً لها إلّا بلحاظ وجود هكذا ركيزة يرتكزون عليها.
2- قواعد مستندة إلى دليل عقليّ أو أدلّة عقليّة، فتُحسب قواعد عقليّة تماماً.
وعلى هذا الأساس، فإدراك وإثبات أمّهات وكبريات القضايا الفقهيّة يتمّ عن طريق مساعدة العقل، وإن كان حضور العقل ونفوذه في الفروع العباديّة يسير وضئيل.
2- 2- 3. المساهمة في تشخيص صغريات ومصاديق الأحكام الشرعيّة الكليّة
إنّ تشخيص صغريات ومصاديق الأحكام الشرعيّة الكلّيّة واحد من أهمّ وأبرز معطيات العقل؛ فردّ الفروع إلى الأصول أمر غير ممكن من دون الإستعانة بالعقل، فالعقل ـ مثلاً ـ هو القادر على تشخيص الضرر من غير الضرر، وهو الممهّد لإمكان تطبيق قاعدة لا ضرر على الموارد والمصاديق أيضاً.
2- 2- 4. تشخيص موضوعات الأحكام
تنقسم موضوعات الأحكام إلى ثلاثة أقسام: شرعيّة، وعرفيّة، وعلميّة. وبعبارة أخرى:
1- الموضوعات الشرعيّة: هي الموضوعات المخترَعة من قبل الشارع، والشارع هو الجاعل لها، نحو الصلاة والصوم.
2- الموضوعات العرفيّة: هي الموضوعات التابعة لتلقّي العرف العامّ وفهمه، وجاء الشارع ليأخذها عن العرف. فلما يطلق العرف اسم البيع على نوع من الفعل والإنفعال الماليّ والملكيّ وتبادل البضائع ومقايضتها، ويقوم الشارع بالموافقة على هذا التعارف، فإنّ الأحكام الصادرة منه تتعلّق بذلك الموضوع وفي حدود الفهم العرفيّ المذكور.
3- الموضوعات العلميّة: قد لا يكون الموضوع من القسم الذي جعله الشارع، ولا ممّا يتمكّن العرف وعامّة الناس من إدراكه واستيعابه، بل يحتاج التعرّف عليه إلى نحو من التخصّص والخبرة، فينبغي تحديد معالمه وتشخيصه في إطار تخصّص علميّ معيّن ومهارة خاصّة. ويطلق على هذه الفئة من الموضوعات اسم الموضوعات العلميّة.
وهذا التقسيم الثلاثيّ من اقتراحنا نحن؛ لأنّنا نرى أنّ الموضوعات العرفيّة يجب أن تطلق على تلك الفئة من الموضوعات التي يتمكّن العرف وعموم النّاس من تشخيصها وتحديد دائرتها ورسم حدودها؛ وأمّا الموضوعات الدقيقة والمتشابكة التي يتطلّب تشخيصها مداقّة علميّة، ويستدعي إجراء دراسة تخصّصيّة، فلا بدّ من تصنيفها ضمن قسم مستقلّ، ووضعها في ذيل مجموعة مستقلّة تحمل عنوان الموضوعات العلميّة. وتشخيص هذا القسم تارة يستلزم اجتهاداً جادّاً، وهو عمل الفقيه وتخصّصه، وتارة يستوجب عملاً تخصّصيّاً وخبرويّاً من المتخصّصين في العلوم الأخرى من قبيل: الطبيعيّات، وعلم الإجتماع (السوسيولوجيا)، وعلم الإنسان (الإنثروبولوجيا) و…
ومن هنا، يتبيّن عدم صواب الرأي القائل: لا دخل للفقيه بنحو مطلق بموضوعات الأحكام؛ ذلك أنّ الفقيه وحده قادر على استنباط الموضوعات الشرعيّة المخترَعة. كما يتّضح عدم صواب رأي المشهور من أنّ الموضوعات العرفيّة خارجة عن عهدة الفقيه مطلقاً، بسبب كونها موضوعات غير شرعيّة على حدّ زعمهم؛ لأنّ بعض الموضوعات، وإن كانت غير شرعيّة، إلا أنّ تشخيصها بحاجة إلى العلم والتخصّص أيضاً، وهو ما لا يتيسّر أحياناً إلا بالتخصّص الفقهيّ فقط.
إنّ العقل دخيل في تشخيص الموضوعات العلميّة؛ لأنّ العلم، بما فيه العلم التجربيّ، من مكتسبات ومنجزات العقل؛ ذلك أنّ الحسّ ناظر إلى الأجزاء فقط، فلا يصدر الأحكام، إذ ليس بمقدوره الإدراك الكليّ أو إصدار حكم كليّ. وكذا الحال بالنسبة إلى استنباط الموضوعات الشرعيّة المخترَعة، فهي كسائر المسائل الإجتهاديّة في كونها غير ميسّرة من دون دخالة العقل.
2- 2- 5. إدراك فلسفة الأحكام
الأحكام مبتنية على المصالح والمفاسد، والعقل قادر على تشخيص كثير من تلك المصالح والمفاسد. فالعقل يتكفّل بتبيين فلسفة الفقه، بمعنى فلسفة الأحكام (لا فلسفة علم الفقه، التي تشكّل جزءً من فلسفة المعرفة الدينيّة)، والتي تشتمل على مقاصد الشريعة وعلل الشرائع أيضاً، وتعتبر جزءً من فلسفة الدين. وبصورة عامّة، تعدّ أنواع الفلسفة المضافة من سنخ الفلسفة، وتدخل في زمرة العلوم العقليّة.
2- 2- 6. إدراك الآثار المترتّبة على إجراء الأحكام
فضلاً عن إدراك المصالح والمفاسد في مقام النظر ونفس الأمر، فإنّ تشخيص المصالح والمفاسد في مقام الإجراء من جملة مدركات العقل أيضاً؛ فالعقل هو من يشخّص نتيجة وثمرة الحكم حينما يتحقّق، فائدةً كانت أم ضرراً. ولهذه الوظيفة تأثير كبير ومصيريّ في تحديد نوع الحكم المترتّب على الموضوع، حتّى أنّه قد يوجب تبدّل الحكم. وقد دلّت بعض الروايات (الحرّ العاملي، 1403: 318) على أنّه يجب رفع اليد عن إجراء بعض الأحكام في بعض الموارد وفقاً للظروف والشرائط الموجودة؛ وهو ما لا يدركه غير العقل؛ إذ أيّ قوّة قادرة على تشخيص ذلك سوى العقل ؟ نعم، قد يكون تشخيص المفاسد المترتّبة على الأحكام في مقام الإجراء مصداقاً لوظيفة العقل في حلّ التزاحم الواقع بين الأحكام.
2- 2- 7. الحكم بالتأمين أو الترخيص أو امتلاك حقّ التقنين في الموارد المسكوت عنها
يقوم العقل في بعض الموارد، التي عبّر عنها الميرزا النائيني بـ ما لا نصّ فيه، وأطلق عليها الشهيد الصدر منطقة الفراغ، ونرتأي تسميتها بـ مفوَّض التشريع، بالحكم بالتأمين أو الترخيص، بل يرى حقّ التقنين للبشر. وقد صرّحت بعض الروايات بهذا الأمر، منها ما قاله أمير الحكمة والبلاغة (سلام الله عليه): إنّ الله سكت عن أشياء، ولم يسكت عنها نسياناً (الصدوق، 1404: 15/ 53؛ الحرّ العاملي، مصدر متقدّم: 61/ 129). وفي ضوء هذا اليبان الشريف يمكن التعبير عن تلك الموارد بـ الموارد المسكوت عنها؛ ويمكن أن نفهم من هذا السكوت معنى تفويض الحكم، فيكون التفويض نفسه حكماً لهذه الموارد.
وذهب البعض هنا إلى أنّ العقل يحكم بالترخيص في هذه الموارد؛ أي بما أنّه لم يرد نصّ في النهي عنها، فحكمها هو الإباحة. بينما قال البعض الآخر: يجب على الشارع إبلاغ حكمه إلى المكلف بنحو من الأنحاء، وبما أنّه لم يبلغه بالحكم في هذه الموارد، فليس له مؤاخذته أو معاقبته فيما لو قام المكلّف بارتكابه؛ لأنّ الله تعالى حكيم، والعقاب بلا بيان منه قبيح، والحكيم لا يرتكب القبيح ألبتّة؛ وعليه، يكون المكلّف آمناً.
ولا إشكال في أنّ للمباح ثلاثة معانٍ أو استعمالات، هي: 1- الفاقد للحكم؛ 2- المجاز (المحكوم بالجواز)، وهو المباح بالمعنى الأخصّ؛ 3- مقابل الحرام، وهو ما يشتمل على الواجب والمستحبّ والمجاز والمكروه؛ أي ما ليس بحرام، وهو المباح بالمعنى الأعمّ. نعم، يجب بحث المعنى المستفاد من فقدان النصّ أو المقتضى لفقدانه أو مقتضى سكوت الشارع في المكان المناسب وفي فرصة أخرى.
2- 2- 8. تعيين آليّة تحقّق الأحكام الإجتماعيّة للدين (التخطيط، التنسيق، التنهيج)( )
أحد ساحات المشيّة التشريعيّة الإلهيّة هو مقام إجراء الشريعة الذي يستلزم التخطيط والتنسيق والتنهيج. والمراد من هذه العناصر الثلاثة مجموعة التمهيدات العمليّة للدين لإنزاله إلى أرض الواقع، أو فقل: تطبيق الشريعة بحسب الظروف العصريّة والمصريّة والإقليميّة.
بعض هذه العناصر الثلاثة ذاتيّ للحكومة والمجتمع الدينيّ، فلا يمكن الإستعاضة عنه ولا استبداله، كما ينبغي استقاؤه واستنباطه من المدارك الشرعيّة؛ وبعضها الآخر عرَضيّ. ومن ناحية مبدئيّة، تنقسم الأحكام الداخلة في شؤون الحكومة إلى ثلاث فئات: 1- الأحكام المصرّحة؛ 2- الأحكام المستنبَطة؛ 3- الأحكام المفوَّضة. ولا شكّ في أنّ العناصر الذاتيّة للحكومة الدينيّة من النوع الأول والثاني، بينما تندرج العناصر غير الذاتيّة لها في الفئة الثالثة. والعقل بالنسبة إلى الصنفين الأوّل والثاني يلعب دور المفسِّر والمحلّل، في حين أنّه يقوم بالمساهمة فيما يتعلّق بالصنف الثالث؛ بمعنى أنّه يكون مصدراً معرفيّاً ومرجعاً للتشريع في هذا المجال.
ولا ريب أنّ الشارع قد بيّن أنّه يجب على المعصوم ـ إبّان حضوره ـ تدبير شؤون الحكومة، فتجري الأمور بأمره وتبعاً لرأيه؛ أمّا حينما يكون غائباً، فيجب على الفقيه الجامع للشرائط القيام بإجراء الأحكام بدلاً عنه، وهذا من الذاتيّات الدينيّة. لكن، هل يجب التفكيك بين القوى المختلفة، أم لا ؟ وفي حالة اللزوم، أيمكن للفقيه أن يكون على رأس القوّة المقنّنة، وإلى جانب ذلك، يدير دفّة القوّتين الأخريين للنظام بصورة غير مباشرة (مع الإحتفاظ بالتفكيك بين القوى الثلاث)، فيعمل رئيس القوّة القضائيّة ورئيس القوّة التنفيذيّة تحت إشرافه وبالتنسيق معه، أم أنّه يجب إدارة القوّة المقنّنة بصورة منفصلة، ويُدمج بين القوّتين التنفيذيّة والقضائيّة، فيُجعلان في سياق قوّة واحدة؛ بمعنى أن تؤسّس قوّة لإدراة القضاء والتنفيذ معاً، وتتكفّل قوّة أخرى بمسألة التقنين، والفقيه مكلّف بقيادة المجموعة بأكملها والولاية عليها ؟
كما يمكن أن يقال: يجب زيادة القوى الحكوميّة وتوسيع نطاقها من ثلاث إلى أربع، بل خمس قوى. كأن يقال: ينبغي أن تكون القوّة القهريّة (القوّة العسكريّة) مستقلّة عن القوى الثلاث الأخرى؛ لئلّا تقوم القوّة التنفيذيّة بفرض هيمنتها وإرادتها على الأجزاء الأخرى في النظام اعتماداً على قدرة القوّة القهريّة. هذا، بالإضافة إلى لزوم إحداث قوّة مستقلّة أخرى في النظام، إلى جانب تلك القوى الأربع، وهي القوّة الثقافيّة؛ إذ لو تمّ حصر القضايا الفكريّة والثقافيّة والمعرفيّة في إحدى القوى الثلاث لأمكن لها الاستئثار بصناعة القرار والتحكّم في توجيهه إلى الوجهة التي تشاء. كما هو الحال في النمط الفعليّ الموجود في الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، حيث لم توضع القوّة العسكريّة والثقافيّة تحت تصرّف أيِّ من القوى الثلاث التي تدير البلاد، وإنّما هي خاضعة لإشراف القائد، وهو قرار في منتهى العقلانيّة والواقعيّة.
بناءً على ذلك، يمكن الدفاع عن استقلاليّة القوّة الثقافيّة والقوّة القهريّة في ضوء مبنى وملاك أصل نظريّة التفكيك بين القوى، وبالتالي تكون هيكليّة الحكومة وبنيتها مرنة وتابعة للظروف المتغيّرة والمتفاوتة، وتتحقّق ضمن منهج علميّ مدروس، ويكون العلم أيضاً مُنتَجاً عقلانيّاً؛ ذلك أنّ تعيين الأمور الذاتيّة للحكومة الدينيّة فعل اجتهاديّ، والعقل في هذا المجال يقوم بدور تفسيريّ وتحليليّ.
هذا، ويمكن اعتبار هذا العمل للعقل جزءً ومصداقاً من مصاديق الوظائف الأخرى والمعطيات السابقة، فيكون ذكره هنا بصورة مستقلّة من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ، ومن باب التأكيد الضروريّ على مورد خاصّ.
2- 3. معطيات العقل في المجال الأخلاقيّ (القيم والنظام الأخلاقيّ للدين)
إنّ عمل العقل ومعطياته في مجال الأخلاق يشبه إلى حدّ كبير معطياته ووظائفه في مجال الأحكام ونظام الأفعال في الدين، والسرّ في ذلك أنّ كلّاً من الأحكام والأخلاق يندرجان في إطار الحكمة العمليّة للدين. ومن هنا، فمن جملة تقسيمات معطيات ووظائف العقل تقسيمها تبعاً للإطارين العامّين: الحكمة النظريّة (العقائد والعلم الدينيّ)، والحكمة العمليّة (الأحكام والأخلاق والتربية الدينيّة).
إنّ الخصال الأخلاقيّة للإنسان تتجلّى وتظهر في سلوكه وتصرّفاته، وإن كانت الحكمة العمليّة ـ وفقاً لاصطلاح آخر ـ تطلق على الأخلاق فقط. وفيما يلي نحاول الإشارة إلى بعض معطيات ووظائف العقل في المجال الأخلاقيّ:
2- 3- 1. إدراك مباني الأخلاق وعلل القضايا الأخلاقيّة وحِكَمها
أحد معطيات العقل في مجال النظام المعرفيّ الناظر إلى الأخلاق هو إدراك الحُسن والقبح.
وفي هذا المجال، ذكر المحقّق خواجة نصير الدين الطوسيّ (597- 672ﻫ) أنّ أحكام الفعل من حيث الحُسن والقبح عقليّة بشكل حصريّ، ثمّ تمسّك بالأدلّة التالية لإثبات كون تشخيص وإدراك حُسن الأفعال وقبحها أمراً عقليّاً:
أوّلاً- أنّنا ندرك بالوجدان بأنّ بعض الأفعال قبيح وبعضها الآخر حسن؛ بمعنى أنّنا ندرك حُسن العدل وقبح الظلم بشكل وجدانيّ، حتّى لو لم يعتبر الشارع الظلم قبيحاً والعدل حسناً.
ثانياً- لو علّقنا الحُسن والقبح الأفعاليّ، حيث يكون الحسن حسناً والقبيح قبيحاً بصورة ذاتيّة، على حكم الشارع (كما توهّم الأشاعرة ذلك)، لأنكرنا الحُسن والقبح الشرعيّيْن أيضاً.
توضيح ذلك: إذا ما اعتقدنا بأنّنا غير قادرين على إدراك الفعل الحسن والقبيح بالعقل، سيكون من الجائز على الشارع، كما يرتكب الفعل الحسن، أن يرتكب الفعل القبيح كالكذب مثلاً والعياذ بالله؛ وإذا كان يجوز ـ عقلاً ـ أن يقترف الشارع الكذب، لترتّب على ذلك أنّنا لا نتمكّن من الجزم بصدق بياناته وبلاغاته وأحكامه؛ إذ أنّنا دوماً نحتمل أنّه قال: هذا حسن وهذا قبيح كذباً؛ وعلى هذا الأساس، لو أنكرنا الحُسن والقبح العقليّين نكون في الحقيقة قد أنكرنا ذلك شرعاً أيضاًَ.
ثالثاً- إن كان الحُسن والقبح عصيّيْن على الإدراك العقليّ، لأمكن استبدال أحدهما محلّ الآخر؛ أي يصبح الحسن قبيحاً ويحلّ القبيح محلّ الحسن ! في حين أنّ الجيمع يعلم بأنّه يتعذّر صيرورة الكذب في موضع الصدق، والقول: إنّ الكذب حسن؛ أو جلوس الصدق في خانة الكذب واحتلال مكانه، ومن ثمّ القول: إنّ الصدق قبيح. ومنه يتّضح بأنّ الحُسن والقبح قد أُدركا بواسطة العقل.( )
وانطلاقاً من أنّ العقل مغاير للفطرة، وليس مرتبةً من مراتب النفس؛ والنفس مفطورة بالفطرة الإلهيّة، يمكن عدّ الوجه الأوّل من الوجوه الثلاثة المذكورة دليلاً فطريّاً.
وبهذه الإيضاحات، تبيّن أنّ من أهمّ معطيات العقل إدراك وإثبات حُسن الأفعال وقبحها. وهذا الإدراك بمثابة مبنى أخلاقيّاً من جهة، وركيزة لكثير من الأبحاث الفقهيّة والتربويّة من جهة أخرى؛ لأنّ الدين الواحد لا يسعه إصدار حكمين متوازيين ومتعارضين في نظاميْ الأحكام والأخلاق، كأن يكون العمل الواحد محرّماً في الأخلاق ومحلّلاً في الفقه، أو بالعكس. فلا أقلّ، يستحيل تبرير التعارض بين أحكام النظامين المذكورين والحقل المعرفيّ للدين والدفاع عنه، في موارد شدّة الحُسن والقبح، بحيث يبلغ الحكم الأخلاقيّ حدّ الإلزام.
2- 3- 2. إدراك أمّهات القضايا الأخلاقيّة إدراكاً استقلاليّاً
إنّ العقل ـ فضلاً عن إدراكه علل وأسباب الحكم الأخلاقيّ ـ يدرك ماهيّة عمدة وأمّهات القضايا الأخلاقيّة أيضاً. فلمّا نقوم ببحث ودراسة أذهان وأفعال وتصرّفات وسيرة حياة الأمم والشعوب والملل المختلفة، أعمّ من كونها متديّنة أم غير متديّنة، نجد مشتركات أخلاقيّة وعمليّة كثيرة بين آحاد البشر ومجتمعاتهم.
فما أكثر القضايا التي هي مورد إجماع بين كافّة المجتمعات البشريّة والمحافل الإنسانيّة، من قبيل: الكذب قبيح، الصدق حسن، الأمانة حسنة، خيانة الأمانة قبيحة و… حتّى أنّه بمقدورنا إدراك وإثبات تلك القضايا بواسطة العقل والفطرة، وإن لم يأتِ بها الدين ولم يبلغنا بها.
2- 3- 3. تشخيص صغريات ومصاديق القضايا الأخلاقيّة
علاوةً على معرفة المباديء والمباني والكليّات والكبريات، فالعقل قادر على استخراج وتشخيص الأفعال التي تعتبر مصاديق وصغريات لكبريات وكليّات القضايا الأخلاقيّة؛ بمعنى أنّه لا يقول: الكذب قبيح، وحسب، بل يحدّد الفعل الذي هو مصداق الكذب أيضاً.
2- 3- 4. تشخيص المفاسد والمصالح المترتّبة على إجراء الأحكام الأخلاقيّة، وإدراك الأولويّات، ورفع التزاحم بين الأحكام الأخلاقيّة نفسها، وبينها وبين الأحكام الفقهيّة
لو كان نبيّ الله مطارَداً من قبل عدد من الجناة والمجرمين، فهل يحقّ لي إن قاموا بسؤالي عن محلّ اختفائه، وهم يبحثون عنه ويضمرون نيّة قتله، أن أخبرهم عن موضعه ؟
العقل هنا يدرك بأنّه لو روعي الحكم الأخلاقيّ، لتمّ انتهاك حكم أهمّ منه وأولى، ولجرى قتل النفس المحترمة، بل أكثر من ذلك أنّها نفس نبيّ من أنبياء الله تعالى؛ ومن هنا، فهو يدرك لا بدّ من رفع اليد عن الحكم المهمّ بغية الحفاظ على الحكم الأهمّ؛ ذلك أنّ قول الحقّ في هذه الحالة يفضي إلى نحو من المعاضدة والمساعدة على قتل النبيّ، وهو من أكبر الكبائر وأقبح القبائح. وبهذا، يتّضح أنّ العقل يشخّص المفاسد والمصالح المترتّبة على الأحكام الأخلاقيّة، ومن ثمّ يعيّن الأولويّات على أساس ذلك. لذا، سنصبح قادرين ـ بحكم العقل ـ على ترجيح الأولى على غير الأولى، والأهمّ على المهمّ.
2- 3- 5. الترخيص في الحكم الأخلاقيّ أو جعله في موارد الفراغ
حينما لا يصدر الشارع حكماً أخلاقيّاً في مجالٍ ما، يعمد العقل إلى جعل الحكم بتشخيصه هو؛ فدور العقل في مجال الأخلاق أكبر وأظهر من دوره في مجال الأحكام؛ ذلك أنّ جولان العقل في باب أحكام العبادات محدود، وفي باب المعاملات، ثمّة كثير من الأحكام المصرّح بها، نحو أبواب الحدود والديات والقصاص وأمثالها. ومن هنا، كان التوافق بين الناس في الأمور الأخلاقيّة أكثر منه في مجال الأحكام والحقوق؛ ذلك أنّهم جميعاً غالباً ما يستقون الأحكام الأخلاقيّة من المصادر المشتركة التي هي عقل الإنسان وفطرته. أمّا في الأحكام، فلمّا كان المتديّنون يرجعون إلى مصادر الشريعة أيضاً، والملحدون يبدون عدم عنايتهم بهذا المصدر الهامّ، بدا الإختلاف واضحاً فيها بين المجتمعات المتديّنة والملحدة.
2- 3- 6. الحضّ على فعل الفضائل واكتسابها والعمل على رفض الرذائل وتركها
ومن جملة المعطيات الأخرى للعقل في المجال الأخلاقيّ الحضّ على اكتساب الفضائل وفعل الحسنات، بالإضافة إلى الحثّ على رفض الرذائل وترك القبائح.
2- 3- 7. تعيين آليّة تحقّق الأخلاق الدينيّة
إنّ تعيين أبرز الآليّات (التخطيط، التنسيق، التنهيج) لتحقّق الأخلاق الدينيّة من الوظائف والمعطيات الأخرى للعقل.
تنويه: إذا ما عبّرنا عن المعطيات المشتركة بين المجالات المختلفة، ولو في مجالين اثنين فقط، بالمعطيات العامّة، فإنّ عمدة معطيات العقل في إطار الحكمة العمليّة سوف تندرج في دائرة المعطيات العامّة.
2- 4. المعطيات الخاصّة للعقل في مجال التربية الدينيّة والعلم الدينيّ
إنّ معطيات العقل في إطار المعرفة التربويّة للدين كمعطياته في مجال العقائد والأحكام والأخلاق؛ فالتقسيم المذكور في المجالات الثلاثة، بما فيه من فروع متنوّعة، يجري في هذا المجال أيضاً. كما أنّ للعقل معطيات ووظائف كثيرة جدّاً في دائرة العلم الدينيّ؛ لكنّنا ـ رعاية للاختصار وبغية عدم التطويل ـ سنطوي صفحاً عن ذكر التفصيل في معطيات العقل في هذا المجال.
إلى هنا، نكون قد بينّا رؤيتنا في باب حدود وأنواع معطيات ووظائف وتطبيقات العقل في ساحة الكشف عن القضايا والتعاليم الدينيّة المختلفة؛ لكنّ أداء حقّ الموضوع بحاجة إلى بحث أوسع وشرح مفصّل. وفيما يلي نقدّم البنية التفصيليّة والكاملة لهذه الرؤية، سائلين المولى العليّ القدير أن يوفّقنا إلى إنجاز ذلك.
البند الثالث: البِنية التفصيليّة لمعطيات العقل في البحوث الدينيّة
المدخل: خطّة البحث
الباب الأوّل: الخطوط العامّة للبحث
الفصل الأوّل: معاني ومراتب العقل ومنهجيّة إحرازه
المحور الأوّل: معاني العقل وإطلاقاته
1- 1. بحث أصل مفردة ومادّة عقل، والتحقيق في معاني العقل وإطلاقاته في اللغة
1- 2. إطلاقات العقل في القرآن والسنّة وعند المفسّرين والمحدّثين
1- 3. إطلاقات العقل عند فلاسفة المسلمين
1- 4. إطلاقات العقل عند المتكلّمين
1- 5. إطلاقات العقل عند الأصوليّين
1- 6. الرأي المختار
المحور الثاني: أنواع العقل ومراتبه
2- 1. العقل النظريّ والعقل العمليّ
2- 2. العقل الطبيعيّ والعقل التجربيّ
المحور الثالث: منهجيّة إحراز العقل
3- 1. المناهج
3- 2. القواعد
الباب الثاني: مباني ودلائل حجيّة العقل
المقدّمة: معاني حجيّة العقل
الفصل الأوّل: مباني حجيّة العقل في البحوث الدينيّة
الفصل الثاني: دلائل الحجيّة العامّة للعقل في البحوث الدينيةّ
الباب الثالث: حدود وأنواع معطيات العقل وتطبيقاته في البحوث الدينيّة( )
المقدّمة
الفصل الأوّل: المعطيات العامّة والمشتركة للعقل
المحور الأوّل: إدراك مقتضيات وأولويّات لزوم الدين
المحور الثاني: وضع المباني والأسس لإدراك الأنظمة والمجالات المعرفيّة الخمسة للدين (تأمين مواد ومفاهيم الفلسفة المضافة لكلّ مجال من المجالات)
المحور الثالث: إثبات إمكان فهم الدين
المحور الرابع: الإسهام في تحديد هويّة المجالات الدينيّة (الاقتضاءات المؤثّرة على الاستنباط في كلّ مجال من المجالات)
المحور الخامس: المشاركة في تنسيق منطق الكشف عن الدين وفهمه
المحور السادس: وضع الضوابط وصياغة القواعد للكشف عن الدين وفهمه
المحور السابع: الكشف عن المدارك والدوالّ الدينيّة وإثبات حجيّتها
المحور الثامن: التقعيد ووضع الضوابط لإحراز الحجج
المحور التاسع: المقارنة بين الدوالّ والمدارك
المحور العاشر: تفسير المدارك الأخرى للدين والمساعدة على إدراكها وتطبيقها (الفطرة، الوحي، السنّة القوليّة والفعليّة)
المحور الحادي عشر: تقييم الصواب وعدم الصواب في المعرفة الدينيّة والتطبيق الصحيح وغير الصحيح لسائر الدوالّ الدينيّة
المحور الثاني عشر: معالجة الخطأ في المعرفة الدينيّة واستعمال المدارك
المحور الثالث عشر: إيجاد الحلول لتعارض الأدلّة وتزاحم الأحكام وتصادق المتعلّقين
المحور الرابع عشر: الحكم بضرورة الإلتزام الجوارحيّ والجوانحيّ بمفاد ومقتضى القضايا الدينيّة
الفصل الثاني: المعطيات الخاصّة للعقل في المجالات والأنظمة الدينيّة
المحور الأوّل: المعطيات الخاصّة للعقل في مجال العقائد
1- 1. الإدراك الإستقلاليّ لأمّهات العقائد والقضايا اللّاهوتيّة الأساسيّة (نحو وجود الواجب، التوحيد و…)
1- 2. إدراك معظم القضايا اللّاهوتيّة الفرعيّة
المحور الثاني: المعطيات الخاصّة للعقل في مجال الأحكام
2- 1. إدراك بعض أمّهات القواعد والقضايا الفقهيّة (عقلانيّة عمدة القواعد الفقهيّة غير العباديّة)
2- 2. الإدراك الإستقلاليّ لبعض علل الأحكام وحكَمها
2- 3. المساهمة في تشخيص صغريات ومصاديق الأحكام الشرعيّة الكليّة
2- 4. المساهمة في تعيين موضوعات الأحكام
2- 5. تشخيص أولويّة بعض الأحكام على بعض، وطرح سبل رفع التزاحم بين الأحكام وتصادق المتعلّقين
2- 6. إدراك المصالح والمفاسد المترتّبة على الأحكام في مقام التحقّق (المؤثّر على الإستنباط)
2- 7. الحكم بالتأمين والترخيص في المباحات أو التكفّل بالتقنين فيها (وفقاً للآراء المختلفة المطروحة بشأن ماهيّة ما لا نصّ فيه و منطقة الفراغ و مفوَّض التشريع على ما ذُكر)
2- 8. تعيين آليّات تحقّق الأحكام الإجتماعيّة والحكوميّة للدين (عرض التخطيط والتنسيق والتنهيج المطلوب للتنفيذ، باستثناء الموارد المصرّح بها)
المحور الثالث: المعطيات الخاصّة للعقل في مجال الأخلاق
3- 1. إدراك حُسن الأفعال وقبحها، وعلل القضايا الأخلاقيّة وحكَمها
3- 2. إدراك أمّهات القضايا الأخلاقيّة إدراكاً استقلاليّاً
3- 3. تشخيص عمدة صغريات ومصاديق القضايا الأخلاقيّة
3- 4. تشخيص المصالح والمفاسد المترتّبة على الأحكام الأخلاقيّة في مقام العمل
3- 5. إدراك أولويّات وسبل رفع التزاحم بين الأحكام الأخلاقيّة
3- 6. جعل الحكم الأخلاقيّ في موارد الفراغ
3- 7. الحضّ على اكتساب الفضائل وفعل الحسنات والحثّ على رفض الرذائل وترك القبائح
3- 8. طرح آليّات تحقّق وتطبيق الأخلاق الدينيّة
الفصل الثالث: معطيات العقل في مجال التربية الدينيّة
الفصل الرابع: معطيات العقل في مجال العلم الدينيّ
الفصل الخامس: معطيات العقل في باب مباديء الكشف عن الدين( )
المحور الأوّل: معطيات العقل في مجال إدراك مباديء الدين ومصادره (أوصاف الشارع)
المحور الثاني: معطيات العقل في باب معرفة ماهيّة الدين ومختصّاته الذاتيّة
المحور الثالث: معطيات العقل في مجال تشخيص مباديء المعرفة الدينيّة (دوالّ ومدارك فهم الدين وإدراكه)
المحور الرابع: معطيات العقل فيما يرتبط بتوصيف مباديء المخاطب بالدين (خصائص وخصال الإنسان بوصفه مفسّراً ومكلّفاً)
المحور الخامس: معطيات العقل في إطار الكشف عن مباديء هويّة حدود الدين ونُظُمه ومجالاته المعرفيّة (خصائص واقتضاءات كلّ واحد من المجالات الخمس المؤثّرة في اكتشاف الدين)
الفصل السادس: التقسيمات الأخرى
المحور الأوّل: معطيات العقل من حيث مدى استعماله في الكشف عن قضايا المجالات المعرفيّة الخمس
1- 1. بوصفها تمام الدليل (والعلّة التامّة لإدراك وإثبات النصوصيّة)
1- 2. بوصفها جزء الدليل (وشريك العلّة لإدراك وإثبات النصوصيّة)
المحور الثاني: من حيث توليد المعرفة والتفسير أو التحليل والمقارنة
2- 1. توليد المعرفة (مباشرتها في فهم واستيعاب النصوص والتعاليم الدينيّة)
2- 2. التفسير (وساطته في الكشف عن الدين عن طريق المساعدة على استخدام وتطبيق مدارك فهم الدين)
2- 3. أو التحليل والمقارنة (تقييم ومعالجة المعطيات الأخرى لمدارك الدين)
المحور الثالث: معطيات العقل من حيث التفكيك إلى استعمالات العقل
3- 1. بشأن الدين
3- 2. في الدين
المحور الرابع: يمكن تقسيم معطيات العقل في المجالين العلميّ والعمليّ للدين إلى قسمين، تبعاً لتقسيم العقل إلى نظريّ وعمليّ
المحور الخامس: انطلاقاً من الاستعمالات المتنوّعة للعقل في مجال كلّ واحد من الدوالّ الأربعة، فإنّ بالإمكان تقسيم معطيات العقل إلى أربعة أقسام أيضاً
المحور السادس: تقسيم معطيات العقل على أساس الأطر الأربعة للاجتهاد الدينيّ (أي أطر: الفهم، صياغة المفهوم، التفهيم، وتحقّق الدين)( )
تنويه: يجب التعرّض بالإيضاح والشرح إلى مباني التقسيمات الثمانية والمعاني والمصاديق لكلّ واحد من تلك الأقسام، بالإضافة إلى الأدلّة الخاصّة بإثبات كلّ منها في ذيل كلّ قسم من الأقسام المذكورة، وبحسب المورد.
الباب الرابع: منهجيّة استخدام العقل في البحوث الدينيّة
المقدّمة: معنى استخدام العقل
الفصل الأوّل: طرق وقواعد استخدام العقل في الكشف عن الدين وفهمه
الفصل الثاني: الضوابط الحاكمة على الطرق والقواعد (شروط الإستخدام ومدى فاعليّتها
الفصل الثالث: معوّقات استخدام العقل وقدرته على البحث الدينيّ (الإشكاليّات والحلول)
الفصل الرابع: النسبة بين العقل وبين الدوالّ والمدارك الأخرى

المصادر
1- الحرّ العامليّ، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، تصحيح وتحقيق عبد الرحيم الربّاني، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1403 ﻫ، ج 18.
2- الخراسانيّ، محمّد كاظم، كفاية الأصول، الانتشارات العلميّة الإسلاميّة، طهران، ج 1.
3- رشاد، علي أكبر، نهادهاى راهنماى فهم قرآن، مجلّة قبسات، العدد 32، السنة التاسعة، صيف 2004 م.
4- رشاد، علي أكبر، دموكراسى قدسى، مؤسّسة النشر في أكاديميّة الثقافة والفكر الإسلاميّ، ط 2، طهران، 2003 م.
5- الصدوق، محمّد بن عليّ بن الحسين، من لا يحضره الفقيه، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، 1404 ﻫ، ط 2، قم، ج 4.
6- الطوسيّ، الخواجة نصير الدين، تجريد الإعتقاد، تحقيق محمد جواد الحسينيّ الجلاليّ، مركز النشر في مكتب الإعلام الإسلاميّ، 1407 ﻫ.
7- الكاظميّ، محمّد عليّ، فوائد الأصول، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، 1404 ﻫ، قم، ج 1- 2.